ربما هي التفاصيل الصغيرة التي تحاصرنا ونحاصرها فنقف أمامها متسائلين كيف تقودنا وهي الصغيرة جدا في مسيرة حياتنا الضخمة الضوضائية، نسير وتسير خلفنا أشياؤنا التي نعتاد عليها فنألفها الفة المكان والروائح، حتى نكاد نهملها، لنعثر عليها مرة أخرى ونتفاجأ بها كيف أنها كل شيء..
هي شربة الماء، وهي صوت الزقزقة، وأطفال يلعبون، وقطط تمرح، وشمس تحيك خيوطها، وورقة شجرة تخضر..
هي لقمة خبز، ورائحة الملح، وشهيق من العمق، ونوم وحلم..
تلك هي الأشياء الصغيرة جداً هي نفسها الأهم في الحياة لا بل هي الحياة نفسها، ولنعترف أننا نخطيء كلما زادت تطلباتنا وتطلعاتنا ومحاربتنا لقصص وقضايا، ومناورات وغضب، وبحث عن شيء نجهله ونرفض الاعتراف بجهلنا لما نبحث عنه.. وإنما نحن نبحث في كل ما نبحث، عنا، هو الوحيد الضائع ذاتنا وروحنا هو ما ننساه ونعثر عليه عندما نقع أرضا عندما توجعنا معدتنا، أو ضرسنا، أو عيننا..
ونكتشف أخيراً أن الحياة لا تستحق كل هذا العناء فهي طرفة عين، وهي لحظة جميلة نستطيع أن نشرب بها كأس ماء ونأكل أي شيء ونتنفّس بعمق تاركين المساحة لدخول روائح التفاح والياسمين والزيزفون وأوراق النعناع..
وننظر متأملين في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ندرك جوهرها إلا عندما تقرصنا بنفسها وتقول لنا هذه الحياة أبسط منكم كثيرا وأقوى منكم بمرات اتركوا أنفسكم لها دون غبار عقولكم ودون قصائدكم الأعجمية، فهي الأجدر والحاجة إلى واحد...
رهادة عبدوش
خاص - الأبجدية الجديدة
إرسال الى صديق عــودة
|